الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: بيان مشكل الآثار **
حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى عَنْ نَبِيهِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ أَنَّهُ حَدَّثَهُ عَنْ عُثْمَانَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَخَّصَ أَوْ قَالَ: إذَا اشْتَكَى الْمُحْرِمُ عَيْنَيْهِ أَنْ يُضَمِّدَهُمَا بِالصَّبِرِ فَتَأَمَّلْنَا هَذَا الْحَدِيثَ لِنَقِفَ عَلَى الرُّخْصَةِ الْمَذْكُورَةِ فِيهِ مَا هِيَ فَوَجَدْنَا التَّضْمِيدُ تَغْطِيَةُ مَا يُضَمَّدُ بِهِ, وَكَانَ الصَّبِرُ فِي نَفْسِهِ غَيْرَ طَيِّبٍ. فَعَقَلْنَا بِذَلِكَ أَنَّ الرُّخْصَةَ لَمْ تَكُنْ لِلصَّبِرِ فِي نَفْسِهِ, وَإِنَّمَا كَانَتْ لِغَيْرِهِ مِنْ الضِّمَادِ الَّذِي يُضَمَّدُ بِهِ فَيَكُونُ ذَلِكَ تَغْطِيَةً لِوَجْهِ الْمُحْرِمِ أَوْ لِمَا يُغَطَّى بِهِ مِنْ وَجْهِهِ; لأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَمْ يَقُلْ لَهُ ضِمَادٌ وَلَقِيلَ لَهُ دِمَامٌ. فَقَالَ قَائِلٌ: فَكَيْفَ يَكُونُ مَا ذَكَرْت كَمَا وَصَفْت, وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ رضي الله عنه مَا يَدْفَعُ ذَلِكَ؟ فَذَكَرَ مَا قَدْ حَدَّثَنَا يُونُسُ وَعِيسَى بْنُ إبْرَاهِيمَ قَالاَ ثنا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ: رَأَيْت عُثْمَانَ رضي الله عنه بِالْعَرْجِ مُخَمِّرًا وَجْهَهُ بِقَطِيفَةِ أُرْجُوَانٍ وَهُوَ مُحْرِمٌ. وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ: أَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَنَّ مَالِكًا حَدَّثَهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي الْفُرَافِصَةُ بْنُ عُمَيْرٍ الْحَنَفِيُّ أَنَّهُ رَأَى عُثْمَانَ بِالْعَرْجِ ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ قَالَ: فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا قَدْ دَلَّ أَنَّ عُثْمَانَ كَانَ لاَ يَرَى بِتَغْطِيَةِ الْوَجْهِ فِي الإِحْرَامِ بَأْسًا فَدَلَّ ذَلِكَ أَنَّ الرُّخْصَةَ الَّتِي فِي الْحَدِيثِ الأَوَّلِ لَمْ تَكُنْ لِمَا ذَكَرْتَ فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ أَنَّهُ قَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عُثْمَانُ فَعَلَ ذَلِكَ لِضَرُورَةٍ دَعَتْهُ إلَيْهِ, وَأَنَّهُ يُكَفِّرُ مَعَ ذَلِكَ. كَمَا رُوِيَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ فِي مِثْلِهِ مِمَّا قَدْ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: لَهُ يَا أَبَا مَعْبَدٍ رُدَّ عَلَيَّ طَيْلَسَانِي وَهُوَ مُحْرِمٌ قَالَ: قُلْت كُنْتُ تَنْهَى عَنْ هَذَا, قَالَ إنِّي أُرِيدُ أَنْ أَفْتَدِيَ فَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ عُثْمَانُ لَوْ سُئِلَ عَمَّا فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ لاََخْبَرَ أَنَّهُ فَعَلَهُ لِيَفْتَدِيَ, وَفِيمَا ذَكَرْنَا مَا قَدْ بَانَ بِهِ أَنْ تَغْطِيَةَ الْوَجْهِ فِي الإِحْرَامِ حَرَامٌ عَلَى الْمُحْرِمِ. وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْقَوْلُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ: أَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَنَّ مَالِكًا أَخْبَرَهُ (ح). وَكَمَا قَدْ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: مَا فَوْقَ الذَّقَنِ مِنْ الرَّأْسِ فَلاَ يُخَمِّرْهُ الْمُحْرِمُ فَهَذَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ قَدْ كَانَ يَذْهَبُ إلَى هَذَا الْقَوْلِ أَيْضًا وَالْقِيَاسُ يُوجِبُهُ; لأَنَّ الْمَرْأَةَ أَوْسَعُ أَمْرًا فِي الإِحْرَامِ مِنْ الرَّجُلِ; لأَنَّهَا تَلْبَسُ الْقَمِيصَ وَتُغَطِّي رَأْسَهَا فِي إحْرَامِهَا وَالرَّجُلُ لَيْسَ كَذَلِكَ; لأَنَّهُ لاَ يُغَطِّي رَأْسَهُ فِي إحْرَامِهِ وَلاَ يَلْبَسُ الْقَمِيصَ فِيهِ, وَإِذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ مَعَ سَعَةِ أَمْرِهَا فِي الإِحْرَامِ لاَ تُغَطِّي وَجْهَهَا فِيهِ كَانَ الرَّجُلُ بِذَلِكَ أَوْلَى, وَهَكَذَا كَانَ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ فِي ذَلِكَ وَاَللَّهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ. حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُد، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُسْهِرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ الْخَوْلاَنِيُّ الأَبْرَشُ قَالَ: حَدَّثَنِي الزُّبَيْدِيُّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: أُرِيَ اللَّيْلَةَ رَجُلٌ صَالِحٌ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ نِيطَ بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَنِيطَ عُمَرُ بِأَبِي بَكْرٍ وَنِيطَ عُثْمَانُ بِعُمَرَ فَلَمَّا قُمْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قُلْنَا أَمَّا الرَّجُلُ الصَّالِحُ فَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَمَّا مَا ذُكِرَ مِنْ نَوْطِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا فَهُمْ وُلاَةُ هَذَا الأَمْرِ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، بِهِ نَبِيَّهُ صلى الله عليه وسلم. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ وُلاَةَ الأَمْرِ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بِهِ نَبِيَّهُ صلى الله عليه وسلم بَعْدَهُ هُمْ هَؤُلاَءِ الثَّلاَثَةُ الْمَذْكُورُونَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونُوا وُلاَتَهُ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَيَكُونَ لَهُ وُلاَةٌ بَعْدَهُمْ سِوَاهُمْ. فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ فَوَجَدْنَا عَلِيَّ بْنَ مَعْبَدٍ قَدْ حَدَّثَنَا، قَالَ: حَدَّثَنَا الأَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ قَالَ: أَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُعْجِبُهُ الرُّؤْيَا وَيَسْأَلُ عَنْهَا فَقَالَ ذَاتَ يَوْمٍ أَيُّكُمْ رَأَى رُؤْيَا؟ فَقَالَ رَجُلٌ أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ رَأَيْت كَأَنَّ مِيزَانًا دُلِّيَ مِنْ السَّمَاءِ فَوُزِنْتَ فِيهِ أَنْتَ وَأَبُو بَكْرٍ فَرَجَحْتَ بِأَبِي بَكْرٍ ثُمَّ وُزِنَ فِيهِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَرَجَحَ أَبُو بَكْرٍ بِعُمَرَ وَوُزِنَ فِيهِ عُمَرُ وَعُثْمَانُ فَرَجَحَ عُمَرُ بِعُثْمَانَ ثُمَّ رُفِعَ الْمِيزَانُ فَاسْتَاءَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ خِلاَفَةُ نُبُوَّةٍ ثُمَّ يُؤْتِي اللَّهُ الْمُلْكَ مَنْ شَاءَ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي ذَلِكَ هَلْ رُوِيَ فِيهِ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ إذْ كَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ رَفْعُ الْمِيزَانِ الَّذِي أَخْبَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ الْمَوْزُونِينَ بِهِ وُلاَةُ ذَلِكَ الأَمْرِ بَعْدَهُ فَوَجَدْنَا سُلَيْمَانَ بْنَ شُعَيْبٍ الْكَيْسَانِيَّ قَدْ حَدَّثَنَا، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُمْهَانَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ سَفِينَةَ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ الْخِلاَفَةُ ثَلاَثُونَ عَامًا ثُمَّ يَكُونُ الْمُلْكُ ثُمَّ قَالَ: سَفِينَةُ أَمْسَكَ سَنَتَيْنِ أَبُو بَكْرٍ وَعَشْرَ سِنِينَ عُمَرُ وَاثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً عُثْمَانُ وَسِتَّ سِنِينَ عَلِيُّ رضي الله عنهم فَدَلَّ هَذَا الْحَدِيثُ أَنَّ سِنِينَ خِلاَفَةِ النُّبُوَّةِ فِي هَذِهِ الثَّلاَثُونَ السَّنَةَ الَّتِي قَدْ دَخَلَتْ فِيهَا مُدَدُ خِلاَفَةِ أَبِي بَكْرٍ وَمُدَدُ خِلاَفَةِ عُمَرَ وَمُدَدُ خِلاَفَةِ عُثْمَانَ وَمُدَدُ خِلاَفَةِ عَلِيٍّ رضي الله عنهم. وَأَنَّ مَا فِي الْحَدِيثَيْنِ الأَوَّلَيْنِ مِمَّا فِيهِ ذِكْرُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ بِمَا ذُكِرُوا بِهِ فِيهِمَا لاَ يُذْكَرُ لِعَلِيٍّ فِي ذَلِكَ مَعَهُمْ إنَّمَا كَانَ; لأَنَّ مَا فِيهَا كَانَ فِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ خَاصَّةً كَمَا قَدْ رُوِيَ سِوَى ذَلِكَ فِي أَبِي بَكْرٍ مِمَّا لاَ ذِكْرَ لِعُمَرَ فِيهِ, وَفِي عُمَرَ مِمَّا لاَ ذِكْرَ لأَبِي بَكْرٍ وَلاَ لِعُثْمَانَ فِيهِ, وَفِي عُثْمَانَ مِمَّا لاَ ذِكْرَ لأَبِي بَكْرٍ وَلِعُمَرَ فِيهِ فَمِثْلُ ذَلِكَ أَيْضًا عَلِيٌّ فِي هَذَا الْمَعْنَى قَدْ رُوِيَ فِيهِ مَا لاَ ذِكْرَ لأَبِي بَكْرٍ وَلاَ لِعُمَرَ وَلاَ لِعُثْمَانَ فِيهِ; لأَنَّهُمْ رضوان الله عليهم أَهْلُ السَّوَابِقِ, وَأَهْلُ الْفَضَائِلِ وَيَتَبَايَنُونَ فِي فَضَائِلِهِمْ وَيَتَفَاضَلُونَ فِيهَا كَأَنْبِيَاءِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي نُبُوَّتِهِمْ الَّتِي قَدْ جَمَعَتْهُمْ ثُمَّ أَخْبَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ بِمَا أَخْبَرَ بِهِ فِيهِمْ مِنْ قَوْلِهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دَاوُد الْبَغْدَادِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ الْمَكِّيُّ قَالاَ ثنا الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى النَّسَائِيّ أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ حَفْصٍ وَهُوَ ابْنُ غَيْلاَنَ أَبُو مَعْبَدٍ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قِيلَ يَا رَسُولَ اللهِ مَتَى يُتْرَكُ الأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ؟ قَالَ: إذَا ظَهَرَ فِيكُمْ مَا ظَهَرَ فِي بَنِي إسْرَائِيلَ قِيلَ وَمَا ذَاكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: إذَا ظَهَرَ الاِدِّهَانُ فِي خِيَارِكُمْ وَالْفَاحِشَةُ فِي شِرَارِكُمْ وَتَحَوَّلَ الْمُلْكُ فِي صِغَارِكُمْ وَالْفِقْهُ فِي أَرَاذِلِكُمْ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَتَأَمَّلْنَا هَذَا الْحَدِيثَ فَبَدَأْنَا مِنْهُ بِطَلَبِ مُرَادِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِأَنَّهُ إذَا ظَهَرَ فِينَا مَا ظَهَرَ فِي بَنِي إسْرَائِيلَ مَا ذَلِكَ الَّذِي كَانَ ظَهَرَ فِيهِمْ؟ فَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَنَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، هُوَ مَا فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَيْنَاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنَّا فِي كِتَابِنَا هَذَا عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ بَنِي إسْرَائِيلَ كَانَ أَحَدُهُمْ يَرَى مِنْ صَاحِبِهِ الْخَطِيئَةَ فَيَنْهَاهُ تَعْذِيرًا فَإِذَا كَانَ مِنْ الْغَدِ جَالَسَهُ وَوَاكَلَهُ وَشَارَبَهُ كَأَنَّهُ لَمْ يَرَهُ عَلَى خَطِيئَتِهِ بِالأَمْسِ فَلَمَّا رَأَى اللَّهُ، تَعَالَى، ذَلِكَ مِنْهُمْ ضَرَبَ قُلُوبَ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ ثُمَّ لَعَنَهُمْ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِمْ دَاوُد وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ صلوات الله عليهم ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ وَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنْ الْمُنْكَرِ وَلَتَأْخُذُنَّ عَلَى لِسَانِ السَّفِيهِ وَلَتَأْطُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ أَطْرًا أَوْ لَيَضْرِبَنَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، قُلُوبَ بَعْضِكُمْ عَلَى قُلُوبِ بَعْضٍ وَيَلْعَنَكُمْ كَمَا لَعَنَهُمْ. فَبَانَ بِذَلِكَ أَنَّ الزَّمَانَ الَّذِي يَكُونُ أَهْلُهُ مَلْعُونِينَ، وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ ذَلِكَ الزَّمَانِ، الَّذِي يَكُونُ لاَ مَعْنَى لأَمْرِهِمْ بِمَعْرُوفٍ وَلاَ لِنَهْيِهِمْ عَنْ مُنْكَرٍ ثُمَّ ثَنَّيْنَا بِالاِدِّهَانِ الْمَذْكُورِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا هُوَ فَوَجَدْنَا الاِدِّهَانَ فِي كَلاَمِ الْعَرَبِ التَّلَيُّنُ لِمَنْ لاَ يَنْبَغِي التَّلَيُّنُ لَهُ كَذَلِكَ قَالَ الْفَرَّاءُ. قَالَ: وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ اللهِ، عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ رَبَّعْنَا بِطَلَبِ مَعْنَى قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم وَالْفِقْهُ فِي أَرَاذِلِكُمْ فَكَانَ وَجْهُهُ عِنْدَنَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، أَنَّ الْفِقْهَ الَّذِي أَرَادَهُ صلى الله عليه وسلم فِي ذَلِكَ هُوَ الْفِقْهُ الَّذِي ذَكَرَهُ فِيمَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْهُ كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا الْمُزَنِيّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الشَّافِعِيُّ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ تَجِدُونَ النَّاسَ مَعَادِنَ فَخِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الإِسْلاَمِ إذَا فَقِهُوا وَكَمَا حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو الأَزْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا زَائِدَةُ بْنُ قُدَامَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَاصِمٌ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ. وَكَمَا رَوَاهُ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُوَافِقًا لِذَلِكَ كَمَا حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ الرَّقِّيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْفِرْيَابِيُّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ ذَكَرَهُ مِثْلَهُ. قَالَ: فَأَعْلَمَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ خِيَارَ النَّاسِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الإِسْلاَمِ إذَا فَقِهُوا, وَخِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ هُمْ أَهْلُ الشَّرَفِ بِالأَنْسَابِ فَإِذَا فَقِهُوا فِي الإِسْلاَمِ كَانُوا خِيَارَ أَهْلِ الإِسْلاَمِ وَعَقَلْنَا بِذَلِكَ أَنَّهُمْ إذَا لَمْ يَفْقَهُوا فِي الإِسْلاَمِ لَمْ يَكُونُوا كَذَلِكَ, وَكَانَ مَنْ فَقِهَ سِوَاهُمْ مِمَّنْ لَيْسَ لَهُ مِنْ النَّسَبِ مَا لَهُمْ يَعْلُونَ بِذَلِكَ وَيَكُونُونَ بِذَلِكَ لاَحِقِينَ بِمَنْ كَانَ عَلَيْهِ مِمَّنْ لَزِمَهُ وَكَانَ مِنْ أَهْلِهِ، سِوَاهُمْ فَكَانَ فِي ذَلِكَ رِفْعَةٌ لَهُمْ إلَى دَرَجَةٍ عَالِيَةٍ, وَإِلَى مَرْتَبَةٍ رَفِيعَةٍ, وَكَانَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ فَضِيلَةٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ مِنْ الآخَرِينَ; لأَنَّ الَّذِي شَرُفَ بِهِ الآخَرُونَ لَمْ يَكُنْ بِاكْتِسَابٍ لَهُمْ إيَّاهُ, وَإِنَّمَا كَانَ نِعْمَةً مِنْ اللهِ عَلَيْهِمْ وَاَلَّذِي كَانَ مِنْ هَؤُلاَءِ الآخَرِينَ فَكَانَ بِاكْتِسَابِهِمْ إيَّاهُ وَبِطَلَبِهِمْ لَهُ وَبِنَصِيبِهِمْ فِيهِ, وَمِثْلُ هَذَا فَلاَ خَفَاءَ بِالْمُرَادِ بِهِ عَلَى سَامِعِهِ, وَاَللَّهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ. حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمُرَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَسَدُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهَا جَاءَتْ بِطَعَامٍ فِي صَحْفَةٍ لَهَا إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ فَجَاءَتْ عَائِشَةُ مُلْتَفَّةً بِكِسَاءٍ وَمَعَهَا فِهْرٌ فَفَلَقَتْ الصَّحْفَةَ فَجَمَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ فَلْقَيْ الصَّحْفَةِ, وَقَالَ: كُلُوا غَارَتْ أُمُّكُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ أَخَذَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَحْفَةَ عَائِشَةَ فَبَعَثَ بِهَا إلَى أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها وَأَعْطَى صَحْفَةَ أُمِّ سَلَمَةَ لِعَائِشَةَ. وَ حَدَّثَنَا بَكَّارَ بْنُ قُتَيْبَةَ وَعَلِيُّ بْنُ شَيْبَةَ قَالاَ ثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ بَكْرٍ السَّهْمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ فَأَرْسَلَتْ إحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ بِقَصْعَةٍ فِيهَا طَعَامٌ فَضَرَبَتْ يَدَ الْخَادِمِ فَسَقَطَتْ الْقَصْعَةُ فَانْفَلَقَتْ فَأَخَذَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَضَمَّ الْكِسْرَتَيْنِ وَجَمَعَ فِيهَا الطَّعَامَ وَيَقُولُ: غَارَتْ أُمُّكُمْ غَارَتْ أُمُّكُمْ, وَقَالَ لِلْقَوْمِ كُلُوا, وَحَبَسَ الرَّسُولَ حَتَّى جَاءَتْ الآُخْرَى بِقَصْعَتِهَا فَدَفَعَ الْقَصْعَةَ الصَّحِيحَةَ إلَى رَسُولِ الَّتِي كُسِرَتْ قَصْعَتُهَا وَتَرَكَ الْمُنْكَسِرَةَ لِلَّتِي كَسَرَتْ. حَدَّثَنَا فَهْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ الأَصْبَهَانِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللهِ عَنْ قَيْسِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي سُوَاءَةَ قَالَ: قُلْنَا لِعَائِشَةَ حَدِّثِينَا عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَتْ أَمَا تَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ؟ قُلْنَا عَلَى ذَلِكَ حَدِّثِينَا عَنْ خُلُقِهِ فَقَالَتْ كَانَ عِنْدَهُ أَصْحَابُهُ فَصَنَعَتْ لَهُ حَفْصَةُ طَعَامًا وَصَنَعْتُ لَهُ طَعَامًا فَسَبَقَتْنِي إلَيْهِ حَفْصَةُ فَأَرْسَلَتْ مَعَ جَارِيَتِهَا بِقَصْعَةٍ فَقُلْتُ لِجَارِيَتِي إنْ أَدْرَكْتِيهَا قَبْلَ أَنْ تَهْوِيَ بِهَا فَارْمِي بِهَا فَأَدْرَكَتْهَا وَقَدْ أَهْوَتْ بِهَا فَرَمَتْ بِهَا فَوَقَعَتْ عَلَى النِّطْعِ فَانْكَسَرَتْ الْقَصْعَةُ وَتَبَدَّدَ الطَّعَامُ فَجَمَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الطَّعَامَ فَأَكَلُوهُ ثُمَّ وَضَعَتْ جَارِيَتِي قَصْعَةَ الطَّعَامِ فَقَالَ لِجَارِيَةِ حَفْصَةَ خُذِي هَذَا الطَّعَامَ فَكُلُوا وَاقْبِضُوا الْجَفْنَةَ مَكَانَ ظَرْفِكُمْ قَالَتْ وَلَمْ أَرَ فِي وَجْهِهِ غَضَبًا وَلَمْ يُعَاتِبْنِي صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ قَائِلٌ: مِنْ أَيْنَ جَازَ لَكُمْ تَرْكُ مَا فِي هَذِهِ الآثَارِ الَّتِي رَوَيْتُمُوهَا عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ الْمَقْبُولَةِ فَلَمْ تَقُولُوا بِهَا وَخَالَفْتُمُوهَا إلَى أَضْدَادِهَا؟ فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللهِ، عَزَّ وَجَلَّ، وَعَوْنِهِ أَنَّهُ لَوْ تَدَبَّرَ هَذِهِ الآثَارَ لَمَا وَجَدَنَا لَهَا مُخَالِفِينَ, وَلاَ عَنْهَا رَاغِبِينَ, وَذَلِكَ أَنَّ الْمَرْأَتَيْنِ اللَّتَيْنِ كَانَ مِنْ إحْدَاهُمَا فِي صَحْفَةِ الآُخْرَى مَا كَانَ كَانَتَا زَوْجَتَيْنِ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِهِ, وَهُمَا فِي عَوْلِهِ فَكَانَتْ الصَّحْفَتَانِ الْمَذْكُورَتَانِ فِي هَذِهِ الآثَارِ جَمِيعًا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَحَوَّلَ الصَّحْفَةَ الصَّحِيحَةَ الَّتِي كَانَتْ مِنْ الْمَرْأَةِ الْمُتْلِفَةِ لِصَحْفَةِ صَاحِبَتِهَا إلَى بَيْتِ الْمُتْلَفِ عَلَيْهَا صَحْفَتُهَا, وَحَوَّلَ الصَّحْفَةَ الْمَكْسُورَةَ إلَى بَيْتِ الَّتِي كَسَرَتْهَا, وَلَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ مِمَّا يُوهِمُ هَذَا الْمُحْتَجَّ عَلَيْنَا بِمَا احْتَجَّ بِهِ مِمَّا ذَكَرْنَا. وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ مَا نَحْنُ عَلَيْهِ مِنْ الْقَوْلِ الَّذِي أَنْكَرَهُ عَلَيْنَا وَعَدَّنَا بِهِ مُخَالِفِينَ لِمَا فِي هَذِهِ الآثَارِ مِمَّا قَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِمَّا أَهْلُ الْعِلْمِ جَمِيعًا عَلَيْهِ مُجْمِعُونَ, وَبِهِ قَائِلُونَ فِي الْعَبْدِ إذَا كَانَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَأَعْتَقَهُ أَحَدُهُمَا وَهُوَ مُوسِرٌ فَأَتْلَفَ بِعَتَاقِهِ نَصِيبَ شَرِيكِهِ مِنْهُ أَنَّ عَلَيْهِ لِشَرِيكِهِ فِيهِ ضَمَانَ قِيمَةِ نَصِيبِهِ لاَ نِصْفَ عَبْدٍ مِثْلِهِ, وَسَنَذْكُرُ هَذَا, وَمَا رُوِيَ فِيهِ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا بَعْدُ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ، تَعَالَى،, وَفِي اتِّفَاقِهِمْ عَلَى ذَلِكَ مَعَ إيجَابِهِمْ فِيهِ إتْلاَفَ الأَشْيَاءِ ذَوَاتِ الأَمْثَالِ مِنْ الأَشْيَاءِ الْمَكِيلاَتِ وَمِنْ الأَشْيَاءِ الْمَوْزُونَاتِ أَمْثَالَهَا لاَ قِيمَتَهَا مَا قَدْ دَلَّ أَنَّ الْوَاجِبَ فِي إتْلاَفِ الأَشْيَاءِ الَّتِي لاَ أَمْثَالَ لَهَا بِكَيْلِ وَلاَ بِوَزْنِ قِيَمِهَا لاَ أَمْثَالِهَا قَالَ: فَقَدْ جَعَلْتُمْ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ مِائَةً مِنْ الإِبِلِ عَلَى أَهْلِ الإِبِلِ, وَجَعَلْتُمْ فِي الْجَنِينِ الْمُلْقَى فِي بَطْنِ أُمِّهِ مَيِّتًا غُرَّةَ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ, وَفِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى وُجُوبِ الْحَيَوَانِ فِي الأَشْيَاءِ الْمُتْلَفَاتِ. فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللهِ، عَزَّ وَجَلَّ، وَعَوْنِهِ أَنَّ الَّذِي احْتَجَّ بِهِ عَلَيْنَا لَيْسَ مِمَّا كُنَّا نَحْنُ وَهُوَ مِنْهُ فِي شَيْءٍ; لأَنَّ النَّفْسَ الْمَجْعُولَ فِيهَا مِائَةٌ مِنْ الإِبِلِ لَيْسَتْ الإِبِلُ أَمْثَالاً لَهَا; وَلأَنَّ الْجَنِينَ الْمُلْقَى مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ مَيِّتًا لَيْسَتْ الْغُرَّةُ الَّتِي جَعَلَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِيهِ مِثْلاً لَهُ, وَلَكِنَّ ذَلِكَ عِبَادَةٌ تَعَبَّدَنَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، بِهَا فَلَزِمْنَاهَا, وَلَمْ نُخَالِفْهَا إلَى ضِدِّهَا فَقَالَ: فَقَدْ رَوَيْتُمْ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إجَازَتَهُ لاِسْتِقْرَاضِ الْحَيَوَانِ. فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللهِ، عَزَّ وَجَلَّ، وَعَوْنِهِ أَنَّ الَّذِي رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي ذَلِكَ كَمَا رُوِيَ عَنْهُ فِيهِ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَنَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، قَبْلَ تَحْرِيمِ الرِّبَا, وَقَبْلَ تَحْرِيمِ رَدِّ الأَشْيَاءِ إلَى مَقَادِيرِهَا لاَ زِيَادَةَ فِي ذَلِكَ عَلَى مَقَادِيرِهَا وَلاَ نُقْصَانَ فِيهِ عَنْهَا. وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي اسْتِقْرَاضِ الْحَيَوَانِ إنَّمَا رُوِيَ عَنْهُ فِي اسْتِقْرَاضِ بَعِيرٍ اسْتَقْرَضَهُ, وَكَأَنَّ الَّذِينَ ذَهَبُوا إلَى ذَلِكَ وَتَمَسَّكُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ وَعَمِلُوا بِهِ وَلَمْ يَجْعَلُوهُ مَنْسُوخًا قَدْ أَجَازُوهُ فِي اسْتِقْرَاضِ ذُكُورِ الْحَيَوَانِ وَفِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى رَفْعِ الْخُصُوصِ مِنْ ذَلِكَ وَعَلَى اسْتِعْمَالِ ذَلِكَ الْحُكْمِ فِيمَا اسْتَعْمَلَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِيهِ, وَفِي سَائِرِ الْحَيَوَانِ, وَكَانَ الْقِيَاسُ حَتْمًا وَاسْتِعْمَالُهُ وَاجِبًا فِي الأَشْيَاءِ الَّتِي لاَ تَوْقِيفَ فِيهَا, وَكَانَ الَّذِينَ أَجَازُوا مَا ذَكَرْنَا قَدْ مَنَعُوا مِنْ اسْتِقْرَاضِ الإِمَاءِ فَلَمْ يُجِيزُوا ذَلِكَ, وَالأَمَةُ الْمُسْتَقْرَضَةُ تَخْرُجُ مِنْ مِلْكِ مُقْرِضِهَا إنْ جَازَ الْقَرْضُ فِيهَا إلَى مِلْكِ الَّذِي اسْتَقْرَضَهَا كَمَا تَخْرُجُ بِالْبَيْعِ مِنْ مِلْكِ بَائِعَهَا إلَى مِلْكِ مُبْتَاعِهَا. فَكَانَ فِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ أَنَّ الْحُرْمَةَ لَمَّا وَقَعَتْ فِي اسْتِقْرَاضِ الأَمَةِ وَقَعَتْ فِي اسْتِقْرَاضِ سَائِرِ الْحَيَوَانِ, وَأَنَّهُ لاَ يُمْنَعُ مِنْ اسْتِقْرَاضِ الأَمَةِ لَوْ كَانَ الْقَرْضُ فِي الْحَيَوَانِ مُطْلَقًا أَنْ يَكُونَ فِي ذَلِكَ مَا يُبِيحُ مُسْتَقْرِضُ الأَمَةِ وَطْأَهَا وَرَدَّهَا إلَى مُقْرِضِهَا كَمَا لَمْ تَقَعْ الْحُرْمَةُ فِي بَيْعِ الأَمَةِ الَّتِي يَنْطَلِقُ لِمُبْتَاعِهَا وَطْؤُهَا, وَإِقَالَةُ بَائِعِهَا مِنْهَا. فَقَالَ هَذَا الْقَائِلُ: فَقَدْ أَجَزْتُمْ أَنْتُمْ وُجُوبَ الْحَيَوَانِ فِي مَعْنًى مَا وَجَعَلْتُمُوهَا فِيهِ دَيْنًا مِنْ ذَلِكَ مَا قَدْ قُلْتُمُوهُ فِي التَّزْوِيجِ عَلَى أَمَةٍ وَسَطٍ أَنَّهُ جَائِزٌ فَكَانَ يَلْزَمُكُمْ أَنْ تُجِيزُوا الْبَيْعَ بِأَمَةٍ وَسَطٍ بِدَارٍ. فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللهِ، عَزَّ وَجَلَّ، وَعَوْنِهِ أَنَّا أَجَزْنَا مِنْ ذَلِكَ مَا أَجَزْنَا وَمَنَعْنَا مِمَّا مَنَعْنَا اتِّبَاعًا لِمَا وَجَدْنَا الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ حَكَمُوا فِي الْجَنِينِ مِنْ الْحُرَّةِ بِغُرَّةٍ وَحَكَمُوا فِي الْجَنِينِ مِنْ الأَمَةِ بِخِلاَفِ ذَلِكَ مِنْ ذَلِكَ مَا قَالَ قَائِلُونَ: إنَّ عَلَيْهِ نِصْفَ عُشْرِ قِيمَةِ أُمِّهِ إذْ أَلْقَتْهُ مَيِّتًا وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ قَائِلُونَ: فِيهِ مَا نَقَصَ أُمَّهُ كَمَا يَكُونُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي جَنِينِ الْبَهِيمَةِ إذَا ضَرَبَ بَطْنَهَا فَأَلْقَتْهُ مَيِّتًا, وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْقَوْلُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ آخَرُونَ: إنَّ الْجَنِينَ إذَا كَانَ أُنْثَى فَفِيهِ عُشْرُ قِيمَتِهِ لَوْ أَلْقَتْهُ حَيًّا فَمَاتَ, وَإِنْ كَانَ ذَكَرًا فَفِيهِ نِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهِ لَوْ أَلْقَتْهُ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ. وَمِمَّنْ كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فَلَمَّا جَعَلُوا فِي جَنِينِ الْحُرَّةِ الَّذِي لَيْسَ بِمَالٍ غُرَّةً, وَفِي جَنِينِ الأَمَةِ الَّذِي هُوَ مَالٌ قِيمَةً عَقَلْنَا بِذَلِكَ أَنَّ مَا هُوَ مَالٌ لاَ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ الْحَيَوَانِ فِيهِ, وَأَنَّ مَا لَيْسَ بِمَالٍ جَائِزٌ فِيهِ اسْتِعْمَالُ الْحَيَوَانِ, وَفِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى جَوَازِ التَّزْوِيجِ عَلَى الْحَيَوَانِ, وَمَنْعُ الاِبْتِيَاعِ بِالْحَيَوَانِ الَّذِي يَكُونُ فِي الذِّمَمِ وَاَللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ. حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ قَالَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَسْدِلُ شَعْرَهُ, وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَفْرُقُونَ رُءُوسَهُمْ وَكَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يَسْدِلُونَ رُءُوسَهُمْ وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُحِبُّ مُوَافَقَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِيمَا لَمْ يُؤْمَرْ فِيهِ بِشَيْءٍ ثُمَّ فَرَقَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَأْسَهُ وَ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ بْنِ فَارِسَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَسْدِلُ شَعْرَهُ وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَفْرُقُونَ رُءُوسَهُمْ وَكَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يَسْدِلُونَ شُعُورَهُمْ فَفَرَقَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَأْسَهُ. وَحَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُد، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ الْوُحَاظِيُّ وَيُوسُفُ بْنُ عَدِيٍّ الْكُوفِيُّ قَالاَ: ثنا ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ كَانَ شَعْرُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم دُونَ الْجُمَّةِ وَفَوْقَ الْوَفْرَةِ هَكَذَا فِي حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ صَالِحٍ, وَفِي حَدِيثِ يُوسُفَ قَالَتْ كَانَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم شَعْرٌ دُونَ الشَّحْمَةِ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُد، قَالَ: حَدَّثَنَا عَيَّاشُ بْنُ الْوَلِيدِ الرَّقَّامُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الْوَاسِطِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إذَا كَانَ لأَحَدِكُمْ شَعْرٌ فَلْيُكْرِمْهُ. حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: حَدَّثَنِي جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ أَنَّهُ سَمِعَ قَتَادَةَ يَقُولُ: قُلْتُ لأَنَسٍ كَيْفَ كَانَ شَعْرُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ كَانَ شَعْرًا رَجْلاً لَيْسَ بِالْجَعْدِ وَلاَ بِالسَّبْطِ بَيْنَ أُذُنِهِ وَعَاتِقِهِ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ دَاوُد الْمَرْوَزِيِّ الشَّعْرَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ خَالِدٍ الْخَيَّاطِ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم سَدَلَ نَاصِيَتَهُ ثُمَّ فَرَقَ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ هِلاَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَضْرِبُ شَعْرُهُ مَنْكِبَيْهِ. حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ, عَنْ شُعْبَةَ, عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ سَمِعَ الْبَرَاءَ يَقُولُ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَهُ شَعْرٌ إلَى شَحْمَةِ أُذُنَيْهِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْوَرْدِ الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا دَاوُد بْنُ عَمْرٍو الضَّبِّيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ كَانَ لَهُ شَعْرٌ فَلْيُكْرِمْهُ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ إيَادِ بْنِ لَقِيطٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي رِمْثَةَ قَالَ: انْطَلَقْت مَعَ أَبِي نَحْوَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَإِذَا نَحْنُ بِهِ لَهُ وَفْرَةٌ بِهَا رَدْعٌ مِنْ حِنَّاءٍ فَقَالَ قَائِلٌ: فَفِي مَا قَدْ رَوَيْتُمُوهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم اتِّخَاذُهُ الشَّعْرَ كَمَا رَوَيْتُمُوهُ فِيهِ عَنْهُ, وَفِيهِ أَمْرُهُ النَّاسَ بِإِكْرَامِ الشَّعْرِ فَمِنْ أَيْنَ جَازَ لَكُمْ تَرْكُ اسْتِعْمَالِ ذَلِكَ, وَالْعُدُولُ إلَى غَيْرِهِ مِنْ إحْفَاءِ الشَّعْرِ فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللهِ، عَزَّ وَجَلَّ، وَعَوْنِهِ أَنَّا تَرَكْنَا ذَلِكَ إلَى مَا يُخَالِفُهُ مِمَّا أَخْبَرَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ أَحْسَنُ مِنْهُ. كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ مُوسَى بْنُ مَسْعُودٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ الْجَرْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ قَالَ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَلِي شَعْرٌ طَوِيلٌ فَقَالَ ذُبَابٌ فَظَنَنْتُ أَنَّهُ يَعْنِينِي فَذَهَبْتُ فَجَزَزْتُهُ ثُمَّ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ مَا عَنَيْتُك وَلَكِنَّ هَذَا أَحْسَنُ. وَكَمَا حَدَّثَنَا فَهْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْحِمَّانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُقْبَةَ أَخُو قَبِيصَةَ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ فَكَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَا قَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّ جَزَّ الشَّعْرِ أَحْسَنُ مِنْ تَرْبِيَتِهِ وَمَا جَعَلَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الأَحْسَنَ كَانَ لاَ شَيْءَ أَحْسَنَ مِنْهُ. وَوَجَبَ لُزُومُ ذَلِكَ الأَحْسَنِ وَتَرْكُ مَا يُخَالِفُهُ وَمَقْبُولٌ مِنْهُ صلى الله عليه وسلم إذْ كَانَ هَذَا عَنْهُ وَإِذْ كَانَ أَوْلَى بِالْمَحَاسِنِ كُلِّهَا مِنْ جَمِيعِ النَّاسِ سِوَاهُ أَنَّهُ قَدْ كَانَ صَارَ بَعْدَ هَذَا الْقَوْلِ إلَى هَذَا الأَحْسَنِ, وَتَرَكَ مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ مِمَّا يُخَالِفُهُ, وَاَللَّهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ. حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ الطَّنَافِسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ بُكَيْر بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدِّيلِيِّ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَاقِفًا بِعَرَفَاتٍ فَأَقْبَلَ أُنَاسٌ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ فَسَأَلُوهُ عَنْ الْحَجِّ فَقَالَ الْحَجُّ يَوْمُ عَرَفَةَ مَنْ أَدْرَكَ جَمْعًا قَبْلَ صَلاَةِ الصُّبْحِ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ أَيَّامُ مِنًى ثَلاَثَةُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلاَ إثْمَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَرْدَفَ خَلْفَهُ رَجُلاً يُنَادِي بِذَلِكَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ بُكَيْر بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْمُرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ, وَلَمْ يَذْكُرْ سُؤَالَ أَهْلِ نَجْدٍ إيَّاهُ, وَلاَ إرْدَافَهُ الرَّجُلَ خَلْفَهُ. فَسَأَلَ سَائِلٌ فَقَالَ: مَا مَعْنَى قَوْلِهِ، عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: قَدْ ذَكَرْنَا هَذَا الْحَدِيثَ بِإِسْنَادِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنَّا فِي كِتَابِنَا هَذَا فَقَالَ قَائِلٌ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا قَدْ دَلَّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَوْ كَانَ شَاعِرًا لَهَجَا ذَلِكَ الشَّاعِرَ كَمَا هَجَاهُ فَكَيْفَ جَازَ لَكُمْ أَنْ تَقْبَلُوا هَذَا عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَخْلاَقُهُ الَّتِي تَرْوُونَهَا عَنْهُ تَدُلَّ عَلَى خِلاَفِ ذَلِكَ مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ؟. فَمِمَّا ذُكِرَ فِي ذَلِكَ مَا قَدْ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الأَزْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَّامُ بْنُ مِسْكِينٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَقِيلُ بْنُ طَلْحَةَ عَنْ أَبِي جُرَيٍّ الْهُجَيْمِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَا أَبَا جُرَيٍّ لاَ تُحَقِّرَنَّ مِنْ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا وَلَوْ أَنْ تَصُبَّ مِنْ دَلْوِك فِي دَلْوِ الْمُسْتَسْقِي وَأَنْ تَلْقَى أَخَاكَ وَوَجْهُك إلَيْهِ مُنْبَسِطٌ وَإِيَّاكَ وَإِسْبَالَ الإِزَارِ فَإِنَّهُ مِنْ الْمَخِيلَةِ وَاَللَّهُ لاَ يُحِبُّ الْخُيَلاَءَ قُلْت يَا رَسُولَ اللهِ الرَّجُلُ يَسُبُّنِي بِمَا فِي أَسُبُّهُ بِمَا فِيهِ؟ قَالَ: لاَ فَإِنَّ أَجْرَ ذَلِكَ لَك وَإِثْمَهُ وَوَبَالَهُ عَلَيْهِ. فَكَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَمْرُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالصَّفْحِ وَتَرْكِ السِّبَابِ لِمَنْ سَبَّ, وَالشِّعْرُ مِنْ أَكْبَرِ السَّبِّ فَمِنْ أَيْنَ جَازَ لَكُمْ أَنْ تَرْوُوا عَنْهُ صلى الله عليه وسلم مَا يُخَالِفُ هَذِهِ الأَخْلاَقَ؟ فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللهِ، عَزَّ وَجَلَّ، وَعَوْنِهِ أَنَّ الَّذِي تَوَهَّمَهُ فِي الْحَدِيثِ الأَوَّلِ لَيْسَ هُوَ كَمَا تَوَهَّمَهُ فِيهِ; لأَنَّ الَّذِي فِيهِ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إنَّ فُلاَنًا هَجَانِي وَهُوَ يَعْلَمُ أَنِّي لَسْتُ بِشَاعِرٍ فَاهْجُوهُ إنَّمَا وَجْهُ ذَلِكَ عِنْدَنَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، عَلَى نَفْيِ الشِّعْرِ عَنْهُ; لأَنَّ رُتْبَتَهُ صلى الله عليه وسلم أَجَلُّ مِنْ رُتَبِ الشُّعَرَاءِ, وَهِيَ أَعْلَى رُتَبَ النُّبُوَّةِ وَتَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ عَنْ اللهِ، عَزَّ وَجَلَّ، وَلَمَّا كَانَتْ تِلْكَ مَنْزِلَتَهُ فِي الرِّفْعَةِ, وَكَانَ مَنْ هَجَاهُ مَنْزِلَتُهُ الْمَنْزِلَةُ الْوَضِيعَةُ إذْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السِّبَابِ, وَكَانُوا مَعَ ذَلِكَ إنَّمَا يُهَاجُونَ إذَا هَجَوْا أَكْفَاءَهُمْ فَأَمَّا مَنْ سِوَى أَكْفَائِهِمْ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يُهَاجُونَهُمْ فَكَانُوا يَرْفَعُونَ أَنْفُسَهُمْ عَنْ ذَلِكَ وَمِنْ ذَلِكَ هِجَاءُ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ لأَبِي سُفْيَانَ بْنِ الْحَارِثِ لَمَّا هَجَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم. كَمَا حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَزِيدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي عَبَّادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ بْنِ بَرَكَةَ عَنْ أُمِّهِ قَالَتْ كُنْت عِنْدَ عَائِشَةَ فِي نِسْوَةٍ فَذُكِرَ عِنْدَهَا حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ فَوَقَعْنَ فَسَبَبْنَهُ فَقَالَتْ عَائِشَةُ لاَ تَسُبُّوهُ فَقَدْ أَصَابَهُ مَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، قَدْ عَمِيَ, وَاَللَّهِ إنِّي لأَرْجُوَ أَنْ يُدْخِلَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْجَنَّةَ بِكَلِمَاتٍ قَالَهُنَّ فِي مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم حِينَ يَقُولُ لأَبِي سُفْيَانَ بْنِ الْحَارِثِ: هَجَوْتَ مُحَمَّدًا فَأَجَبْتُ عَنْهُ *** وَعِنْدَ اللهِ فِي ذَاكَ الْجَزَاءُ فَإِنَّ أَبِي وَوَالِدَهُ وَعِرْضِي *** لِعِرْضِ مُحَمَّدٍ مِنْكُمْ وِقَاءُ أَتَهْجُوهُ وَلَسْتَ لَهُ بِكُفْءٍ *** فَشَرُّكُمَا لِخَيْرِكُمَا الْفِدَاءُ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَلَمَّا كَانَ الأَمْرُ كَمَا ذَكَرْنَا وَالْمُهَاجَاةَ مِنْ أَهْلِ الشَّرَفِ إنَّمَا تَكُونُ مِنْهُمْ لأَكْفَائِهِمْ لاَ لِمَنْ لَيْسَ كَذَلِكَ كَانَ قَوْلُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرْنَا فِي صَدْرِ هَذَا الْبَابِ لِهَذَا الْمَعْنَى, وَإِعْلاَمًا مِنْهُ النَّاسَ أَنَّ الَّذِي هَجَاهُ لَيْسَ بِكُفْءٍ لَهُ فَيَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَهْجُوَهُ لَوْ كَانَ شَاعِرًا ثُمَّ اتَّبَعَ مَا كَانَ مِنْهُ مِنْ هِجَائِهِ إيَّاهُ بِسُؤَالِهِ اللَّهَ، عَزَّ وَجَلَّ، أَنْ يَلْعَنَهُ وَمَنْ يَلْعَنْ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا وَاَللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ بْنِ صَالِحٍ وَرَوْحُ بْنُ الْفَرَجِ الْقَطَّانُ جَمِيعًا قَالاَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا قَابُوسُ بْنُ أَبِي ظَبْيَانَ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ قَالَ: قُلْنَا لاِبْنِ عَبَّاسٍ أَرَأَيْت قَوْلَ اللهِ، عَزَّ وَجَلَّ، فَكَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ إنْزَالَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ هَذِهِ الآيَةَ عَلَى نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم رَدًّا عَلَى الْمُنَافِقِينَ مَا كَانُوا قَالُوهُ مِمَّا ذُكِرَ فِي قَوْلِهِمْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ, وَنَفَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ذَلِكَ عَنْهُ, وَعَنْ غَيْرِهِ مِنْ خَلْقِهِ أَنْ يَكُونُوا كَذَلِكَ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ وَعَنْ الْحَسَنِ فِي تَأْوِيلِهَا خِلاَفُ هَذَا التَّأْوِيلِ كَمَا حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْفِرْيَابِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي فِهْرٍ إنَّ فِي جَوْفِي قَلْبَيْنِ أَعْقِلُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَفْضَلُ مِنْ عَقْلِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَكَذَبَ. وَكَمَا حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُد، قَالَ: حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو هِلاَلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ قَالَ: كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ ذُو قَلْبَيْنِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَكَمَا حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُد، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُبَارَكٌ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ كَانَ الرَّجُلُ يَقُولُ أَمَرَتْنِي نَفْسِي بِكَذَا وَأَمَرَتْنِي نَفْسِي بِكَذَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالتَّأْوِيلُ الأَوَّلُ أَوْلَى التَّأْوِيلاَتِ بِهَا لاَ سِيَّمَا, وَقَدْ دَخَلَ فِي الْمُسْنَدِ بِرَدِّ رِوَاتِهِ إيَّاهُ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَاَللَّهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ.
|